حكاية من حلتنا يكتبها آدم تبن: الحج عرفة

94

إنه يوم من أيام الله الخالدات يوم يجتمع فيه أهل الأرض فى مشعر مقدس ييقفون فيه بلباس واحد يعبدون ربا واحدا يلبون بتلبية واحدة، وهناك من يصوم نهاره، إنه يوم عرفة يوم الحج الأكبر فمن فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحج وصوم يوم عرفة يكفر سنتين ماقبله ومابعده، فما أجمل هذا اليوم الذى يباهى الله به الملائكة بأهل عرفات ويغفر للحجاج الواقفين بعرفة، ويستجيب دعواتهم فما أسعد من وقف بعرفات الله الطاهرة فإنك حججت إلى الله بكل ذنوبك فها أنت تعود إلى أهلك غانما بإذن الله مغفور الذنب، وإن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، وهى بشارة نبوية لمن حج فى كل زمان، وتلك نعمة تستحق أن تلهج الألسنة بها شكرا وحمدا لله تعالى بأن جعلنا من أمة الإسلام المرحومة.

ويوم عرفة لمن وفقه الله فى أن يكون حاجا للبيت العتيق ،هو يوم ليس كسائر الأيام يستعد له الحجاج فى مشعر منى مبكرا يبدأون فى لبس الإحرام يوم الثامن من ذى الحجة أو يوم (التروية) ويتوجهون فى ليلتهم إلى عرفات ومنهم من يصلى الصبح بمنى ويغادرها فجرا صباح يوم التاسع باتجاه عرفات راجلا أو راكبا ولسانه يردد التلبية، “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لاشريك لك” وهكذا هم أهل عرفات يشتاقون إلى الوصول إليها رغم طويل الطريق وحرارة الشمس لكن عزيمتهم لاتفتر ولاتلين، يتطلعون بلهفة وشوق للوصول إلى (عرفات) التى لبست حلية زاهية من بياض المخيمات وبياض إحرام الحجاج الذى أتوها من كل (فج عميق)، ومن رحمة الله تعالى بالحجاج أن نزولهم بعرفة غالبا تأتى معه أو قبله أو بعده الأمطار الغزيرة التى تغسل المكان وتلطف الأجواء ،فدرجات الحرارة لاتحتمل وعندها يستبشر الحجاج خيرا بهذه الأمطار تتهلل وجوههم وترتفع أياديهم وتلح فى الدعاء وتدمع أعينهم بالدموع وترتفع أصواتهم بالبكاء والدعاء، يصلون فيها الظهر والعصر جمعا وقصرا ويدعون لأمتهم وبلدانهم وأهلهم وأسرهم، كل يسأل الله بإلحاح وتضرع بأن يستحيب الله دعاؤه وهو فى عرفات، ولايتوقف الحجاج من رفع أياديهم بالدعاء إلا عند مغيب شمس يوم عرفة، وهم يستعدون لمغادرتها إلى المشعر الحرام (مزدلفة).

وكما أسلفت فإن يوم عرفة يعتبر يوما يخلد فى ذاكرة الحجاج مهما بعدت سنواته فهو يوم لاينسى ولايمحى، فأنت فى عرفات الله أول مرة فقد لاتأتيها مرة أخرى، لذا يكون دعاؤك أكثر إلحاحا وطلبا ورجاءا أن يتقبل الله الحج وأن يغفر ذنبك وأن تعود إلى أهلك سالما غانما وأن يغير الله حال بلادك الى الأحسن ودعوات تنزل مثل المطر تتذكر من أوصاك بالدعاء له تتذكر المرضى يطلبون الدعاء لهم بالشفاء، تتذكر الموتى يحتاجون منك الدعاء ،تتذكر أصحاب الحاجات يطلبون الدعاء، كل همك فى تلك الساعات القليلة من يوم عرفة ألا ينقطع لسانك من الدعاء ثم الدعاء ثم الدعاء، وهنا تزرف الدموع وتبكى بأن وفقك الله وكتب لك الحج وأنت هنا فى عرفات تقف هذا الموقف مع جميع الحجاج من مختلف بقاع الأرض، فتنظر حولك فترى الحاج القادم من آسيا وذاك قادم من أفريقيا وتلك قادمة من بلاد الفرنجة بعد أن وفقها الله فى الدخول فى الإسلام وهى مع مسلمات أخريات قادمات من بلاد المسلمين تتعرف عليهن وعلى الإسلام الذى جمعهن وساوى بينهن (لافرق بين عربى وعجمى إلا بالتقوى)، وهناك آخرون يسيرون على الطريق يرددون التلبية فى طريقهم إلى (جبل الرحمة) وآخرون عائدون من هناك، وآخرون يقدمون (الطعام والشراب) نفقة طيبة إلى حجاج بيت الله الحرام طمعا فى الأجر والثواب العظيم.

ويسدل الستار على خير يوم من أيام الله الخالدات، تتنزل فيه رحمة الله ومغفرته على عباده الذين أتوه شعثا غبرا يرفعون أكفهم بالدعاء والضراعة للمولى عز وجل أن يتوب عليهم ويقبل حجهم ليعودوا الى أهلهم بذنب مغفور وحج مبرور وعند مغيب شمس يوم (عرفة) عندها يتوجه الحجاج إلى المشعر الحرام (مزدلفة) وهم فى سعادة وسرور وراحة نفسية وروحية لم يألفوها من قبل، وهنا ينتهى يوما خالدا وحافلا بالدعاء والصلوات والتلبية والتكبير والتهليل والذكر والصيام إنه يوم (عرفة).

Comments are closed.