الزين صالح يكتب: العسكر والديمقراطية في السودان

167

بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
أن عملية التحول الديمقراطي التي تتم في بلاد حكمت فترات طويلة بنظم شمولية، تتعثر فيها عملية التحول الديمقراطي دائما، لأنها عملية تحتاج لتأسيس جديد وفق قوانين وثقافة جديدة مغايرة تماما للثقافة السابقة، وأيضا تحتاج لخطاب سياسي يتماشى مع التحولات الجديدة، ومن أهم التحديات التي تواجهها عملية التحول الديمقراطي، أن المؤسسات القديمة والعقل الذي شحن بالثقافة الشمولية سنين عددا يريد أن يفرض رأيه على المتحول، ويحاول أن يخضعه لذات الثقافة السابقة. وهنا تأتي الإشكالية وهذه ليست محصورة فقط في العسكريين لوحدهم، أيضا العديد من السياسيين يمارسون ذات المنهج، أي أن يؤسسوا ديمقراطية على قواعد الثقافة الشمولية.

لقد حزنت كثيرا لإبعاد الأخ والشقيق الدكتور عبدالعزيز سليمان من بلده السودان، وهو يحمل رقمها الوطني، وتأشيرة دخول، وجاء من بوابتها الرسمية، والرجل يمارس عمله من خلال الوسائل السلمية، غريب أن يتم الإبعاد فقط لأنه يحمل رأيا سياسيا مخالفا. وحتى إذا كان يعتقد الذين ابعدوه أنه قد مارس الشطط في رآيه، كان عليهم أن يعتبرون ذلك حالة من حالة التعبير النابع عن حبه لوطنه، ويريده أن يكون مثل بقية الدول التي أخذت استقلالها بعده بسنين، ثم نهضت وأخذت موقعها في الحضارة الإنسانية. أن الديمقراطية ليست شعارات تردد في الهواء الطلق، ولا خطابات منمقة تقال في المناسبات الخاصة والعامة، أنما هي ممارسة يومية للكل، ومن خلال هذه الممارسة اليومية تصحح انحرافتها، وتقلل من غلوائها. أن الإنقاذ لم تحكم بضع سنين، بل حكمت ثلاث عقود وهي ثلاثة أجيال كاملة، كانت مساحة الحرية فيها ضيقة لا تقبل فيها الكلمة المخالفة لآهل الحكم، واستطاع الناس بنضالهم وتضحياتهم عبر هذه السنين أن يمزقون هذا الضيق ويوسعون الرداء، حتى انتصروا بثورة نالت احترام العالم كله. ويقع على الكل احترامها وتنزيل شعاراتها على الأرض. وكل ذلك يتم عبر الممارسة وأحترام القوانين.

والغريب أن يخرج بعض من السياسين المشككين في عملية الإبعاد، ويعلقون أن الرجل لم يصل الخرطوم، وكل تلك كانت مسرحية من الرجل، هؤلاء درجوا على هذا السلوك الذي جعلهم منبوذين بين الناس، مثل هذا السلوك يبين أن الديمقراطية تواجه امتحانا صعبا في السودان. لأنها تحتاج لثقافة جديدة وسلوك جديد والبعض ليس لديهم الاستعداد لتغير سلوكهم، وهذه تذكرني بقصة الضفدعة مع العقرب، عندما طلبت العقرب منها أن تقطعها للشاطيء الأخر، وقالت الضفدعة لا يمكن أن افعل ذلك بسبب غدر العقرب، وحلفت لها العقرب أنها لن تلدغها احتراما لهذه الخدمة، وفي منتصف النهر لدغتها فقالت لها لماذا فعلتي ذلك، قالت العقرب لأنه طبعي، فهولاء الذين يحاولون دائما التشكيك في اقوال وافعال الأخرين هذا هو طبعهم لا تغيره الديمقراطية ولا تغير سلوكهم التجارب.

أن إبعاد شخص عن بلده، ليس بالقضية السهلة نفسيا ومعنويا، وإذا كانت الأجهزة التي ابعدته تعتقد أن لها مأخذ على خطابه السياسي، كان علها فتح حوارا معه، وتكون تقدم سلوكا حضاريا ديمقراطيا يعكس التغيير الذي نعكس في ممارستها، ويخلق واقعا جديدا في العمل الأمني يتماشى مع القيم الديمقراطية. أن الإبعاد معروف لا يتم من العاملين في الدرجات الدنيا في المؤسسة الأمنية، بل هو قرار يتخذ من أعلى السلطات وتطبقه الدرجات الدنيا، وهؤلاء في حاجة للمراجعة. بأن الكل في السودان مؤمن بالتحول الديمقراطي، وهذه القناعة تحتاج من الكل أن يراجع مواقفه وقناعاته، حتى تتلاءم مع التحولات التي يجب أن تحدث لتعضيد الممارسة الديمقراطية، لكي نرسخ جميعا هذه القيم في المجتمع، وعلى الأجهزة الأمنية التي أتخذت هذا القرار أن تراجعه مرة أخرى. وخير الخطائين التوابون. نسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.