الزين صالح يكتب: أريتريا والصراع بين حميدتي والجيش
بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
السؤال الذي يدور في ذهن كل سوداني: لماذا تدعو أريتريا مجموعات سودانية من شرق السودان للاجتماع بالرئيس أسياس أفورقي؟ ولماذا يرجع الوفد بعد عبوره الأراضي السودانية من قبل الاستخبارات السودانية، بإدعاء ليس لهم أخطار بذهاب الوفد إلي أريتريا من قبل السلطة المركزية في السودان؟ وما هو موقف أريتريا من علاقات حميدتي بالكينات القبلية في شرق السودان؟ وهل هناك خلافا عميقا بين حميدتي كقائد للدعم السريع مع القوات المسلحة؟ وهل أن حميدتي بالفعل وجوده الآن في دارفور بهدف بناء قاعدته لطموحه في الحكم؟.
هذه الأسئلة هي التي تدور في أذهان أغلبية الشعب السوداني بعد منع وفد الإدارات الأهلية في الشرق الدخول لدولة اريتريا. وبعد الرجوع خاطبهم السفير الاريتري في الخرطوم، ومن خلال حديث السفير: يتضح أن أغلبية الوفد لا يملكون جوازات سفر وحتى لايملكون بطاقات شخصية، وأنهم سوف يرتبون لزيارة أخرى بعد اكتمال الأوراق الثبوتية. السؤال لماذا يذهب الوفد للحوار فيما بينهما لحل مشاكل الشرق في أريتريا؟ وهل تقبل أي دولة ذات سيادة أن تحل مشاكل شعبها في عاصمة دولة أخرى؟ أم أن أريتريا تشعر بخطر قادم من السودان وتريد أن تشكل درعا واقيا لها برجال الإدارات الأهلية هناك؟.
تعتقد القيادة السياسية الاريترية؛ أن الزيارات التي كان قد قام بها قائد الدعم السريع للشرق، وسعيه الحثيث لحل مشاكل الشرق، وتوزيع العديد من العربات لأغلبية القيادات هناك، تؤكد أن الرجل يريد أن يكون ولاء الشرق له شخصيا ومادام يبحث عن الولاء فأن رغبته السيطرة على السلطة، الأمر الذي سوف يخلق نزاعات سوف تمتد إلي أريتريا. ولذلك تعتقد القيادة الاريترية أن تكون الإدارات الأهلية في الشرق واعية للطموحات الشخصية لبعض القيادات التي تتحكم في السلطة الآن. لكن تخوف أريتريا ليس جاء بعد الخلاف الذي برز في الشرق بعد التوقيع على “اتفاقية جوبا” بل كان بعد الثورة مباشرة وقبل اجتماعات جوبا للسلام. حيث كانت أريتريا تتخوف من الاهتمام المكثف للدول الغربية وأمريكا في السودان، وكانت تعتبر هذا الوجود الهدف منه أن يخلق نظاما مواليا لسياسات الغرب يؤثر مستقبلا علي دول المنطقة، لذلك كانت زيارات اسياس للسودان ومقابلة قيادات السلطة، ودعوة القيادات السودانية لزيارة أسمرا. كما كانت رؤيته أن القوى السياسية السودانية أفضل لها أن تحل مشاكلها السياسية بعيدا عن التدخلات الخارجية وخاصة الأمم المتحدة. لذلك حرص أسياس في زيارته الأخيرة لمقابلة العديد من قيادات الأحزاب. وأيضا كان اسياس منزعجا عندما أخرت السلطة السودانية قبول اعتماد أوراق السفير الاريتري في السودان، وعند مقابلته للبرهان قال له إذا لا تريد اعتماده أنا بعتمده اليك.
أن الحديث الذي كان قد صرح به حميدتي يوم الجمعة 22 يوليو 2022م قال (قررنا سويا إتاحة الفرصة لقوى الثورة، والقوى السياسية الوطنية، بأن يتحاوروا ويتوافقون دون تدخل منا في المؤسسة العسكرية) وأيضا دعا القوى السياسية وقوى الثورة أن تسرع في الوصول لحلول عاجلة تساعد على تشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي، وعلى الجميع الانتباه للمخاطر التي تواجه البلاد والوصول لحلول سياسية. هذا الحديث يتماشى مع حديث البرهان ولا يبين أن هناك خلافا بين الإثنين. الأمر الذي يعني ان هناك تشاور بين حميدتي والبرهان.
هل حميدتي قال هذا الحديث رغبة منه لتأكيد الانسجام بين القوات المسلحة والدعم السريع أم أن الحديث قد طلب منه لكي يؤكد أن حديث البرهان ليس مناورة سياسية. إذا رجعنا بالذاكرة نجد أن حديث حميدتي جاء بعد حديث رئيس بعثة الاتحاد الاوروبي روبرت فان دوول لقناة ” الجزيرة مباشر” حيث قال ( أن المفوضية الأوروبية تأخذ قرار رئيس المجلس السيادي بعدم المشاركة في الحوار السياسي على محمل الجد، وتعده خطوة مهمة لتحقيق التوافق السياسي بين الأحزاب بهدف تشكيل حكومة مدنية) وكان القائم باعمال السفارة الأمريكية أيضا أصدر بيان يؤكد فيه موقف بلاده على خطوة البرهان) الأمر الذي يؤكد أن هؤلاء هم وراء حديث حميدتي لكي يؤكد أن العسكر بمكوناتهم يوافقون حديث البرهان. أما إذا كان طموح حميدتي في السلطة من خلال صناديق الاقتراع، هذا طموح ليس عليه غبار مادام الحكم هي الجماهير. إذا كانت في شرق السودان أو غرب السودان.
أن تخوف اريتريا الأمني لم يبرز بعد سقوط حكم البشير، بل كان بعد انقلاب الجبهة الإسلامية في عام 1989، وكان خوفها أن يدعم نظام الإنقاذ حركة الجهاد الاريترية وكان الخوف سببا في قبول اسياس أفورقي أن يفتح حدوده “للتجمع الوطني الديمقراطي” وقبل أيضا أن تفتح الحركة الشعبية ممرات في الشرق وتنقل ألاف المقاتلين لجبهة الشرق، وقد وجدت قوات التجمع الدعم الوجستي والسياسي من قبل الحكومة الاريترية، وكل ذلك بهدف أن تكون قوات التجمع هي الحامية للحدود مع السودان، وتمنع حركة الجهاد الاريترية أن تجد لها منافذ للداخل. وأن وجود حميدتي في الشرق ونقل قواته هناك يسبب خوفا على أريتريا أن يكون لحميدتي علاقات بقيادات من حركة الجهاد الإسلامي. وأيضا أن التحول الديمقراطي في السودان سوف يسبب خوفا كبيرا للعديد من دول المنطقة.
أن حركة حميدتي الدؤوبة في المناطق المختلفة في السودان، تربطها القوى السياسية بالطموح السياسي للرجل في حكم السودان، والغريب في الأمر أن القوى السياسية هي نفسها عاجزة أن تتحرك بصورة كبيرة في مناطق السودان المختلفة، لكي تؤكد على وحدتها وتوافقها على مشروع سياسي. هي متوطنة في العاصمة تنتظر أن تقدم لها المجموعة العسكرية السلطة ثم ترحل لثكناتها، الأمر الذي لن يتم بهذه الصورة.
أن واحدة من خطط أسياسي أفورقي أن يجعل مناطق الحدود بين السودان وأريتريا حدود تنمية تكاملية بين البلدين، والتنمية في المنطقة هي وحدها التي تعزز الأمن في مناطق الحدود، لأنها سوف تنهض بالمنطقة وسكانها وحدهم سوف يمنعون أي تحركات مسلحة تؤثر سلبا على العملية التنموية. وتعتقد القيادة الاريترية أن التكاملية التنموية يجب أن تشمل كل مناطق الحدود السودانية مع اريتريا وإثيوبيا، الأمر الذي يحول نزاع الحدود إلي تكامل تنموي في الحدود. ونظرة أسياس أفورقي أن يحاصر جبهة التقراي ليس فقط من خلال اتفاقات بين الدول لحماية الحدود، بل بالسكان الذين سوف يكونوا مستوعبين في عمليات التنمية. لذلك يعتقد أن حركة حميدتي محكومة بقوته العسكرية الأمر الذي يسبب فشلا لتصور القيادة الاريترية، لذلك يحاول أسياسي أفورقي أن يبعد حميدتي من المنطقة ويجعل قواته محصورة بين الخرطوم ودارفور. وهناك البعض يعتقد أن إثارة قضية المليشيات المسلحة في المنطقة في اجتماع جده الذي حضره الرئيس الأمريكي بايدن مع بعض رؤساء المنطقة، قد سببت إزعاجا كبيرا لحميدتي لذلك ذهب أن يؤمن نفسه في حلف عريض في دارفور، وأن يكون للحلف أيضا داعمين في مناطق السودان المختلفة إذا صح هذا القول يبقى التأمين ليس بقوة السلاح أنما تأسيس حزب عريض منتشر في مناطق السودان المختلفة، خاصة وجود حميدتي في السلطة تبين له أن ذلك يمكن أن يتحقق من خلال الثروة المادية التي يمتلكها، وحالة الضعف التي تعيشها الأحزاب السياسية، واعتقد أن قيادات العناصر السابق والاتحادي الأصل سوف يمانعون من الدخول في هذا الحلف. ونسأل الله حسن البصيرة.
Comments are closed.