حكاية من حلتنا يكتبها آدم تبن: وتانى التوبة من سفر الخريف

358

إنقطعت حكاية من حلتنا من القراء لفترة قصيرة فى عمر طويلة فى عمر التواصل بين الكاتب والقارئ فالرباط القوى بينهما يستمد جسور تواصله من الكتابة التى تشكل التواصل بينهما، فالغياب بالتأكيد يخصم من رصيد الكاتب عند القارئ مهما كبر الكاتب أو صغر عمرا أو كان ما يكتبه متميزا أو عاديا ، فالكلمة هى التى يعبر بها الكاتب عن خاطره ويفهمها القارئ كيف ما يشاء ، فهنا يقول القارئ أن الكاتب فلان هو كاتبى المفضل وفى نفس تجد آخر يفضل كاتبا آخر لأن الاذواق هى التى تحبب هذا القارئ وتبعده فى ذات الوقت من قارئ آخر ، وأهل الأسواق يقولون لولا إختلاف الأراء لبارت السلع، أى أن هذا الاختلاف جاء ليكون نعمة فى حياة الناس فلنقبل خلاف بعضا عن بعض وهذه طبيعة بشرية ، فنحن فى عصر السرعة والمعلومة والتقنية الحديثة كل منا يبحث عن ما يروى ظلمهم للمعرفة والعلم أو التسلية والترفيه وغيرها مما لم يكن فى سابق أزماننا موجودا أو حتى كان الناس يفكرون أن يكون يوما هم شهودا عليه.

وهنا تعيدنى حكاية من حلتنا الى تلك الأيام التى كان المسافر يقطع فيها المسافات بالايام والليالي يعانى معاناة لإيكاد أحدنا يصدقها لكن من عايشها يعرف حقيقتها ففى مثل هذه الأيام أيام الخريف يتخوف الناس من السفر إلا للضرورات الملحة التى لا بد منها ، فالمعاناة كانت على أشدها لمن يسافر بالعربات وكانت تسمى باللوارى ويقولون لك (بجى الخريف واللوارى بتقيف) يعنىر تقيف بسبب الاعطال والامطار والسيول التى تجرى مياهها فى الأنهار والخيران والوديان وتسبب تأخيرا غير مقصود للمسافرين وبضائع التجار وأصحاب اللوارى ، حيث كانت أغلب الطرق الرابطة بين العاصمة والميناء والمدن غير معبدة ففى الصيف معاناة وفى الخريف كذلك معاناة تفوق الوصف.

ويقول لى أحد المسافرين أنه فى مره من المرات تحرك بنا اللورى صباحا من مدينة الرهد أبودكنة متوجهين الى مدينة الأبيض عروس الرمال وللتعريف هما مدينتان تقعان فى ولاية شمال كردفان تشتهران بالمنتجات الزراعية والغابية والبستانية و(أبودكنه وعروس الرمال) أسماء شهرة لهما يعرفها كثير من الناس، ويقول محدثى بعد تحركنا شمالا من الرهد إذا بسحابة ضخمة تراه فى إتجاه الشمال الشرقى متحركة فى إتجاه الشمال وطبعا للمزارعين والرعاة أسماء يطلقونها على السحاب فمثلا هذه يسمونها (أم رويق) بكسر الراء والواو وسكون الياء وفتح القاف وهى أمطار ستهطل باذن الله تعالى بغزارة شديدة ولاتتوقف إلا بعد ساعات طويلة قد تستمر أكثر من ست ساعات تتوقف قليلا ثم لا تلبث أن تعود مدرارا وبكثافة أكثر وهكذا تمضى وقتا طويلا فى إنتظار توقفها وأنت من المحظوظين إن صادفتك فى القرية أما إن صادفتك فى الخلاء فى الزراعة أو مع الثروة الحيوانية فأنت ستكون فى حالة يرثى لها فالمطر والرياح والبرد على أشدها فأين ستذهب؟

عموما المسافة بين المدينتين لا تتعدى الساعتين أو الثلاث فى تلك الأيام لكنها إستغرقت يوما كاملا كانت المعاناة فيه سيدة الموقف مرة تنزل من اللورى حافى القدمين تتحسس كمية الامطار النازلة وتأثر الارض بها ومرة تدخل أحد الخيران لتقيس كمية المياه بداخله وتتأكد من مدى قدرة اللورى عبورها، ومرة ينزل الجميع فى إنتظار إنحسار المياه من الخيران ليتمكنوا من العبور ومرة ترتفع حرارة مكنة اللورى من الضغط المتواصل على دواسة الوقود ويسمونه ب (الأبنصى) ومرة تتوقف الماكنة معلنة عدم قدرتها على الدوران ويقولون لك أن اللورى (عض مكنة) ويحتاج الى عمره كاملة وليس لديك سبيل الى أن تحمل متاعك على ظهرك وتغادر المكان لتستعد لمعاناة من نوع جديد، وهكذا تكون رحلتك قطعة من الآلام والمعاناة الصعبة فى فصل الخريف حتى تصل الى وجهتك بسلام.. وتانى التوبة من سفر الخريف.

Comments are closed.