الزين صالح يكتب: الاستقلال بين الأمل وحالة الإنكسار

49

بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
في البدء لابد أن نهنئ الشعب السوداني بالذكرى 67 للاستقلال الذي لم يكتمل بعد حتى يشعر الكل بالأمان و الحياة الكريمة والاستقرار الاجتماعي والسياسي. ونهنئ الشعب السوداني وكل شعوب العالم بالسنة الجديدة وأن يكون عام أمن وسلام.

تمر الدول في مسيرتها التاريخية بتحديات عضال تحاول كسر هامة أبنائها لكي ترضخ لمطلب دول أخرى، وأيضا تمر بنزاعات وحروب داخلية، وأطماع استعمارية ومحاولات نهب لثرواتها، وتستطيع الدول أن تحقق مقاصدها بسهولة إذا وجدت مناطق رخوة في نسيج الدولة الاجتماعي، عناصر تقدم نفسها سلع في سوق النخاسة بهدف مكاسب فردية أو حزبية رخيصة. لكنه تعجز تماما في تحقيق الأهداف عندما يكون الشعب واعي لمصالحه، وأنه قوى الشكيمة لا ينكسر أمام المغريات.

أن ثورة ديسمبر 2018م تختلف عن الأخريات، في استمرارية النضال من أجل تحقيق أهداف الثورة. ورغم أختلاف تقييم القوى السياسية و الأفراد للسلبيات التي حدثت في حكومتي حمدوك وتشظي الحاضنة السياسية، لكن استمرار وجود الشباب في الشارع دفاعا عن الثورة، ظاهرة تحتاج للدراسة لمعرفة التحولات التي طرأت في المجتمع، وجعلت الشارع لا يتراجع عن تحقيق مطالبه، عكس ثورة أكتوبر وانتفاضة إبريل حيث سقط النظامان ورجعت الجماهير تاركة الشأن للنخبة السياسية التي عجزت أن تحافظ على النظم الديمقراطية، وعجزت عن عملية أكمال بناء الاستقلال في توفير الحياة الكريمة للشعب والاستقرار. الجديد في هذه الثورة أن الشباب لم يتركوا الساحة للنخب السياسية، بل ظلوا حريصين لمتابعة التطورات فيها، وتقديم كل التضحيات من أجل إرجاع قطار الثورة لجادة الطريق.

أن الذي يشهده السودان اليوم من انتكاسات سياسية، وعجز النخبة السياسية التي فشلت في أن تقدم مشروعا سياسيا لكي يجد توافقا عريضا في المجتمع، يعتبر دلالة على حاجة البلاد لتغير العقل الذي يسيطر على الساحة السياسية، واستمرار الشباب في الشارع من أجل التغيير، ينذر ببروز عقل جديد ناشيء، أن تخلق العقل الجديد يعني تجاوز للعقل السياسي الجامد، والموروث السياسي الذي يعتمد على ثقافة سياسية خاملة، وعاجزة أن تقدم تصورات جديدة لبناء المستقبل، هي التي تصنع كوابح لنهوض العقل الجديد، عقل يريد أن يفارق كل الشعارات البالية التي كان قد أنتجها العقل القديم، حيث فشل أن ينزلها على الأرض عبر مسيرته التاريخية. فالعقل الجديد بدأ يتخلق، و تظهر معالمه من خلال تعدد الأدوات التي بدأ الشباب في استخدامها، لكي يؤكدوا بها أن النهضة تعني أن تجعل كل أدوات الإبداع مستخدمة في حوار النهضة. هذأ الإبداع هو الذي جعل بعض القيادات السياسية تتأمر مع العسكر لفض الاعتصام خوفا من ضياع مصالحهم وتطلعات البعض للسلطة.

أن ظاهرة استمرار الشباب في الشارع تؤكد أن عمود الأمة مايزال قويا عصيا على الإنكسار، ومادام العمود قويا سوف تتكسر عنده كل دعوات التخازل والانكسار التي تؤسس على المصالح الضيقة، والتي تجعل بعض الدول طامعة في ثروات البلاد، وأتذكر هنا مقولة لبرهان غليون وردت في كتابه (مجتمع النخبة) يقول فيها ” المطلوب هو دائما أحداث قفزة في الفكر الخامل و الراكد تنقله من حالة العجز إلي حالة القوة والحيوية. أي المطلوب دائما هو تغير العقل، وهذا يعني تغيير مفاهيم الناس القديمة البالية واستبدالها بمفاهيم جديدة صالحة للعصر الجديد” بالفعل المطلوب مفاهيم جديدة تدرس ظاهرة فشل النخب السياسية، وتقدم تصورات جديدة تتجاوز بها تراكمات الفشل السياسي. الملاحظ في الأربعة سنوات من عمر الثورة وعدم استقرار السودان ظلت القوى السياسية جميعها عاجزة أن تقدم أفكار جديدة يكون فيها الوطن هو سيد الأجندة، جميع القوى السياسي تبحث عن الطريق الذي يجعلها هي وحدها ذات القول الفصل، ولها اليد العليا. الأمر الذي يعقد المشهد السياسي. أن العقل الجديد هو القادر أن يستخدم أدوات إبداع لكي ينتشل البلاد من وهدتها. ونسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.