بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن تقديم مبادرة سياسية في ظل الحرب الدائرة من الناحية المبدئية، هي خطوة متقدمة على سلبية المواقف، و التي الزمت أصحابها الوقوف بعيدا و مراقبة مجريات الأحداث، و المبادرة تعني العودة للساحة السياسية، و تقدم المبادرة لقوى بعينها خاطبتها المبادرة.. و يعتقد الحزب هي قوى الثورة.. تقول المبادرة (أن وقف الحرب و استعادة الثورة لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال الحراك الجماهيري الواسع و تنظيم الجماهير في مناطق النزوح سواء في الريف أو في الحضر وصولا إلي وحدة جماهيرية قاعدية عميقة) هذه أمال في ظل الظروف السائدة لا تتحقق مطلقا.. و الحديث مليء بالشعارات أكثر من أرتباطه بالواقع.. الآن التعامل مع الواقع له أجندات، هي التي تتحكم فيه، مثالا لذلك.. هل يعتقد الزملاء أن الأولوية عند النازحين و الذين في أماكن نزوحهم رجوعهم إلي منازلهم و الاستقرار فيها، أم الدخول مباشرة في العمل الثوري.. هل الأولوية وقف الحرب أم العملية الثورية؟ الأوطان لا تبنى بالشعارات و الهتاف..
القضية الأخرى في تسلسل المبادرة.. تقول ( نتوجه أولا إلي جماهير شعبنا في أماكن نزوحها سواء في المدارس أو تحت الأشجار أو في العراء و في جميع مواقع النزوح داعين إياها إلي تنظيم صفوفها وفقا لظروفها الموضوعية و تحديد مطالبها و موقفها من الحرب و أطرافها لتؤدي دورها كصاحبة المصلحة الحقيقة في وقف الحرب و تحقيق التغيير المنشود) إذا كانت هذه رؤية الحزب الشيوعي تعبئة الجماهير و حشدها لوقف الحرب و استعادة الثورة.. لماذا لا يذهب و يلتحم معها و يتحسس من مواقفها.. و لماذا الآن مايو 2025 و ليس مايو 2023م.. هل الحزب شعر أن العديد من المناطق أصبحت أمنة، و بدأ الناس الرجوع إليها.. أن الواقع دائما يهزم الشعارات.. و هل جماهير تقاتل ليبقى الوطن و أخرى تهرب لكي يتم تعبئتها بعد سنين من الحرب. و بعد ما عاد لها الأمن..
تقول المبادرة في فقرة ( ذلك يتطلب من القوى السياسية و سلطة الانتقال، و كافة قوى الثورة أن تتحلى بالشجاعة و الصدق لتقديم نقد موضوعي يعكس حجم القصور و الأخطاء التي أدت إلي هيمنة اللجنة الأمنية و قوات الدعم السريع على المشهد السياسي و من خلفهم الحركة الإسلامية) قبل ما يكون الحديث موجه للقوى السياسية الأخرى.. لماذا فشل الحزب الشيوعي أن يقدم نقدا منذ انتصار الثورة يبين فيها مواقفه الرمادية التي اعاقت عملية التحول الديمقراطي.. درج الحزب أن يستيقظ بعد الأحداث و يحاول أن يملأ فراغات التي سبقته بشعارت زائفة ليس لها علاقة بتطورات الأحداث..
في محطة أخرى تقول المبادرة ( التصدي لمنع انزلاق البلاد نحو الحرب الأهلية، يتطلب من جماهير شعبنا و قواه الحية الامتناع عن الانحياز لأي طرف من اطراف النزاع و وقف المشاركة في الحرب) هل يعتقد الحزب أن كل الشباب الذين ذهبوا إلي الاستنفار، و المقاومة الشعبية هؤلاء خارج المعادلة السياسية؟ و بعيدا عن عمليات الحشد التي يدعوا لها؟. إذا كان هؤلاء لا يؤثرون في مجريات الأحداث هل تعتقد الذين في أماكن النزوح و اللجوء قادرين تلبية دعوات الحزب الشيوعي.. لكي تقدم مبادرة و تتوقع لها النجاح، لابد أن تتعامل مع الحقائق على ما يجري في الواقع، و ليس التعامل مع الفضاء الافتراضي، لأن الخيال في مواقع الصراع الحقيقية يغيب الوعي.. فالذي يقرأ المبادرة لابد أن يقارنها بمجريات الأحداث و تطوراتها، و ليس أنيسبح بخياله في الفضاء،.. لذلك السؤال سيظلقائم لماذا بعد سنتين من الحرب يقدم الزملاء مبادرة؟ كأن الحرب بدأت اليوم أو أمس.. و الواقعية تفرض على الزملاء الآن الالتحام مع الشرع و تقديم هذه المبادرة لهم من أجل التعبئة… كما قال المعلق الرياضي أصحه يا بريش…
في فقرة أخرى يتحدث الحزب الشيوعي على التدخلات الخارجية و يقول ( أن التعويل على حل هذه الحرب الكارثية عبر مبادرات المجتمع الدولي وحدها يضر بالعملية السياسية ) و يعتقد الحزب الشيوعي في مبادرته أن البحث عن الحلول الخارجية يعطل البحث عن الحلول الوطنية، حيث يقول ( أن البحث عن حلول للأزمة يعطل البحث عن حلول وطنية جذرية نحقق تطلعات شعبنا في السلام و العدالة) أوافق الزملاء أن الحلول الوطنية هي انجع و هي الأفضل لأنها توقف تصابي الأجندة الخارجية.. التي ليس لها مصالح غير مصالحها الخاصة.. و تقول المبادرة ( أن هذه الحرب يكتوي بنارها شعبنا وحده و يدفع ثمنها الباهظ و هو المستفيد الأول من وقفها لأنها حرب عليه و على موارده و ثرواته و ثورته) هذا صحيح أن الشعب يكتوي بنارها، و لذلك لابد من استئصال الأسباب التي أدت أليها، و سوف تؤدي إليها مرة أخرى، و أي وقف للحرب في منتصف الطريق سوف يعيدها مرة أخرى.. كما أن محاولة فرض الأراء على الأخرين أيضا لا تعبد الطريق للحلول، فالذي يريد الحلول يغير طريقة تفكيره القديمة…
أن تقديم مبادرة لمعرفة أراء الأخرين في السياسة مسألة إيجابية، و أن الحرب الدائرة أيضا لها أفرازاتها التي سوف تفرضها على الساحة السياسية، فالذين يحاولون تقديم شروط لمستقبل العملية السياسية يكونوا قد فشلوا في ان يتعلموا من الحرب، و إذا كانوا يعتقدون أن وقف الحرب هو تمهيد الطريق لثورة يكونوا عاجزين عن قراءة تاريخ الشعوب.. و المبادرة يريد الحزب الشيوعي يقول فيها أنه استيقظ بعد منوم عميق استمر لعامين كاملين.. نسأل الله حسن البصيرة..